لم يبلغ أحد ما بلغه هو من شهرة ، ولم يصل أي فنان في العالم ما وصل إليه هو من نجاح سابق لم يسبق له مثيل... هو الذي إذا أراد أحد أن يؤرخ للسينما ؛ فلابد أن يمر من تحت عباءته ، وهو الذي إذا أراد أن يتجاهله ، فمعنى ذلك أنه يفرغ هذا الفن العظيم من مضمون ويجتثه من جذوره.
لم يكن شابلن مجرد فنانًا عظيمًا ، وإنما فيلسوف عظيم أيضًا ،انظر إليه وهو يقول ... الإنسان يحاول أن يسعد نفسه فلا يحظى إلا بالتعاسة.
ولكن من هذه التعاسة يتولد الضحك... ربما بسبب فظاعة المأساة ربما بسبب تصارع الأضداد، ربما بسبب تجاوز التعاسة لحد الحزن؛ حيث يصبح الضحك هو البديل المنطقي ويبدو أن شابلن كان يتحدث عن نفسه ، ومأساته الشخصية عندما كان يردد هذه الكلمات الموجعة التي لا تصدر إلا عن نفس مضطربة ووجدان متأجج وعقلية قهرها الألم.
وأن وراء هذا العملاق مأساة إنسانية بطلها الوحيد هو الفقر... وتعاسة الحظ في البداية إلا أن الفقر يبقي هو البطل الرئيسي الذي يلتف بقوة حول عنق شابلن الطفل حتى كاد يخنق.
وقصة شابلن هي قصة عظيمة استطاع تحويل الهزيمة إلى نصر ساحق ، والشقاء إلى سعادة ، والفقر المدقع إلى غنى فاحش... إنها قصة الإنسان الذي انهالت عليه الأحجار فخرج من تحتها شامخًا متحديًا كل القوى التي اجتمعت للقضاء عليه.
يقول شابلن عن نفسه... إن الرسام العظيم بيكاسو في حياته مرحلة تعيسة اسمها المرحلة الزرقاء ، أما هو فقد بدأت مع ولادته مرحلة اسمها المرحلة الرمادية... محلة في لون الضباب والهباب... في لون اليأس والفقر والبرد والجوع. فقد ولد شابلن لأب من أصل فرنسي ، وأم غجرية سليطة اللسان لا تتوقف عن الثرثرة والسباب طيلة فترة تواجدها في البيت. ولأن الأب كان غائبًا عن البيت معظم الأيام ، وقلما يخرج من جيبه مليمًا واحدًا يدفع الجوع أو البرد عن الصغير وأمه في ليالي الشتاء القارسة؛ فقد اضطرت أم شابلن إلى استغلال مواهبها في الغناء لكسب ما يعين على الحياة. وبدأ شابلن يظهر مواهبه وقدراته التمثيلية الفذة ، وخاصة في مجال الكوميديا ، وأصبح يخرج على المسرح كل ليلة يقدم اسكتشات ضاحكة ومواقف كوميدية.
كما قام شابلن بتأليف النكت ، أو تحوير وإدخال تعديلات على النكت المعروفة ، وخاصة السياسية لتجعل الناس ترقص في مقاعدها ومع هذه الفرقة المتواضعة التي تعمل بها أمه ، سافر إلى فرنسا ثم أمريكا وهناك كانت الصدمة الأولى.
فقد اكتشف شابلن في نيويورك منذ أول عرض له أن الأمريكيين لا يضحكون للنكات التي يرقص لها الإنجليز ، واكتشف أنه على الفنان أن يدرس الشعب الأمريكي ليعرف كيف يتعامل معه أو يقدم له فنًا.
وقد ابتكر لنفسه حركته التاريخية المشهورة التي كانت تماثل حركة الروبوت أو الإنسان الآلي الموجود بيننا اليوم.
وقد تزوج شابلن أربع مرات كانت آخرتهن ابنة الأديب الأمريكي العملاق ، وقد فاز بجائزتي أوسكار الأولى في بداية الخمسينات وثالثة عام 1973.
ولم يسلم من الأذى فقد دفع ثمن شجاعته وإيمانه برسالة الفن غاليًا مع بعض الأمريكيين المتعصبين بمعاداة أمريكا ، ولكى تجد السلطات هناك مفرًا من طرده بعد أن ثارث بعض الجماهير عليه بفعل ما نشرته الصحف على لسان منتقديه.واتجه شابلن إلى سويسرا وظل هناك عشرين عامًا حتى عام 1973 ، واتجه إلى أمريكا ليبقى هناك حتى يوافيه الأجل في عام 1977 وهو في كامل صحته ، وحيويته حتى إن الأطباء قالوا إنه مات من الصحة التي يبدو أنها تدفقت فجأة بقوة فكانت أقوى من حجمه الضئيل فمات محترقًا بها.
ولد في لندن يوم السادس عشر من نيسان عام 9881 م ،وقال عنها «أنني ولدت فيها وذقت بين أزقتها مرارة الفقر والحرمان » عاش فيها منذ صغره حياة بائسة ،فأمه فنانة غنائية تعمل في المسرح الغنائي وأبوه عاطل عن العمل يقضي نهاره في سكر دائم بعد أن يقبض أجرها فيهرع الى الحانات يشتري بها خمراً يملأ جوفه إنه «شارلي شابلن »
الذي اكتشفت أمه موهبته منذ كان في الثانية من عمره وما أن بلغ الخامسة حتى دفعه أبوه الى المسرح حينما مرضت زوجته ونقلت الى المشفى لمرض طارئ ألم بها حيث أنشد الجمهورحتى ملوا منه فأخر جوه من المسرح باكياً . وتمضي الأيام مسرعة فيموت الأب وتظل الأم راقدة في المشفى ليجد شارلي وأخوه «سيد» نفسيهما في دار الأيتام ولم يخرجا منه إلا بخروج والدتهما من المشفى ،حيث أدخلتهما المدرسة وصرفت عليهما من ثمن حياكة الملابس التي تتكنها أياضً لكن سرعان ماعادت الى مرضها الشديد الذي أنهك قواها فماتت . ليتسكع شارلي في الشوارع مع الأطفال الفقراء وعاش كما يعيش اللقطاء لكنه استفاد من هذه الأجواء ليحول حياته الى فيلم صامت اسمه «الصغير» .- عندما بلغ من العمر الرابعة والعشرين كانت بداية رحلته مع شقيقه الي العالم الجديد..الى أمريكا حيث كان اللقاء الأول لشارلي مع أصحاب شركة «كيستوف» للانتاج السينمائي حيث ولدت هناك صورته التي نعرفها جميعاً والتي اشتهر بها ،صورة الصعلوك الصغير بسرواله الواسع ،وحذائه الكبير ،وسترته الضيقة وقبعته وعصاه الشهيرة وأخيراً ملامح وجهه الغريبة التي تختلف عن وجهه الطبيعي وربما كان أبرزها شاربه الأسود الذي يشبه فرشاة الأسنان لتظل هذه الشخصية بشكلها المعروف مدة ربع قرن كانت البطلة لمائة فيلم صامت . -وحينما بلغ السابعة والعشرين من عمره عمل بأجر زهيد في هذا العالم الجديد ،فكان يقبض اسبوعياً خمسين دولاراً ثم قفز أجره الى /0521 / دولاراً لينتهي الى عشرة آلف دولار في الأسبوع لقد كان شارلي شابلن أصيلاً كم تغيره الأحوال المادية الجيدة أو تغرية النجومية والأضواء بل محتفظاً بكرامته معتزاً بشخصية التي كانت يوماً تتسكع في الشوارع غير ناكر للفقراء بل داعم لهم ويجزيهم العطاء ، في الوقت نفسه كان يكره مظاهر الحياة الزائفة من حوله ولم يشعر بالزهور والغرور رغم نجاحاته تزوج شارلي شابلن لأول مرة من الممثلة الناشئة « ميلدريدهاريس » حيث أنجبت له طفلاً مات بعد ثلاثة أيام من ولادته ، ليصب غضبه على زوجته ليموت حبه لها مع موت المولود الجديد . ولاينسى هذا النجم الكبير مسقط رأسه « لندن » بل قرر زيارتها بعد أن بلغت ثروته مليون دولار جمعها من فيلم واحد « الصغير » الذي يحكي قصة تسكعه في الشوارع الفقيرة ليستقبله الناس في كل ميناء كان يمر به في السفينة التي تقله حيث سجل فرحة الناس في كتابه « رحلتي مع البحار » وقد سأله الصحفيون عما يريد تأكيده من فيلمه « البحث عن الذهب » أجابهم بنشوة أريد أن يذكرني الجمهور من خلال دوري فيه ، وبلغ دخله من هذا الفيلم أكثر من مليوني دولار . ثم تزوج للمرة الثانية من « لينا جراي » حيث أنجبت له ولدين تشارلز وسيدني ، الا أن زواجه لم يستمر حيث أعلن فشل زواجه وقرر الطلاق . وعندما بدأ تصوير فيلمه « أضواء المدينة » أعلن أمام جمهوره من الصحفيين والنقاد بأنه يهدف من الفيلم « إنني أحاول أن أجد نفسي وأن أجدها في هذا الفيلم إلا أن والدته توفيت أثناء تصوير الفيلم بعد أن عاشت معه ، وقد تأثرعليها كثيراً حتى قال عنه كثيرون بأن شارلي لن يعود ثانية الى السينما فدفن أمه الى جانب طفله الذي مات بعد ولادته بثلاثة أعوام. ثم تزوج الثالثة من الممثلة التي كانت تسمى في هوليود « آلهة الحب » « بوليت جودار » حيث فشل الزواج وانتهى أيضاً .. ليتزوج آخر مرة من فتاة صغيرة بعمر أبنائه « أونا » ابنة الكاتب المسرحي « يوجين أونيل » أنجب منها ستة أطفال ولد معظمهم في سويسرا التي صارت موطنه الجديد ، لقد مال شارلي شابلن الى الاشتراكية ولم ينكرها ،وأنكر أيضاً أنه يعمل ضداً أمريكا ثم أنكر أنه شيوعي ولما سألوه عن سبب رفضه حمل الجنسية الأمريكية قال : «لأنني مواطن عالمي ..أنا رجل أنتمي الى العالم كله . وفي موقف فكاهي يحمل في طياته أبعاداً أخرى حينما قال له الزعيم تشرشل :«أتمنى أن أضع لك تمثالاً فوق ساعة بج بن فقال له شارلي شابلن :« لاأظن أنني سأكون سعيداً لأن دقاتها سوف تزعجني . - مات الصعلوك الفيلسوف في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 7791 في مدينة «فيفي» ولا زال محبوه ومعجبوه يأتون لزيارة قبره ..يتذكرون من أضحكهم ..وأبكاهم وصور همومهم وسخر من بعض مواقعهم .